إن مسائل العلاقة بين الإنسان وربّه كثيرة، ولكن أهمها وأكثرها تعرضاً للجدل والنقاش، منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا، مسألة التسيير والتخيير في حياة الإنسان، وهي ذات ارتباط وثيق بعقيدة القضاء والقدر. وليس هناك مسألة من مسائل أصول الدين ثار حولها الجدل، في أواخر عصر الصحابة ومع اتساع الفتوحات الإسلامية، ثم استمر أمده وتطاول إلى يومنا هذا، كمسألة التسيير والتخيير هذه فقد جادل عليّ رضي الله عنه أناساً في القدر، وجادل شيخاً بعد انصرافه من صفين، جاء يسأله عن القضاء والقدر، وعن الإنسان أهو مجبر أم مخيّر... وجادل كل من ابن عباس وابن مسعود من جاء يخلط في مسألة القدر ويستشير المشكلات حولها. ثم اتسع نطاق الجدل في هذا الأمر، واشتدّ أواره، حتى تشكلت من ذلك فرق، والتجأ كل فريق إلى ردود الفعل التي تنبعث عادة من الهياج النفسي وغياب الأناة. وقد ظل الجدل في هذه المسألة محتداً إلى أن صمد مدة قرنين من الزمن تليا ظهور كل من الإمام الأشعري والإمام الماتريدي. ثم جاء ما يسمى بالعصر الحديث ليشار النقاش حول موضوع التسيير والتخيير، القضاء والقدر الذي يؤدي إلى تفرق الأمة من جديد وما ذلك إلا لاستمرار الجهل في فهمه ولتعارض وجهات النظر في حقيقته وذلك ناتج عن عكس الجدل الذي داخله، والشبهات التي التصقت به تدريجياً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي بلغ ذروته في أواخر عصر الصحابة وأول عصر التابعين، أما قبل ذلك، فقد كانت مسألة القدر وعلاقتها بإرادة الإنسان وفعله، من أصفى أركان الإيمان الخمسة، وأيسرها دخولاً في العقل وتسرباً إلى الوجدان. والدكتور البوطي يسعى ومن خلال هذه الدراسة العلمية الشاملة لمسألة التسيير والتخيير والقضاء والقدر وما يتعلق بها من ذيول ومشكلات، يسعى جاهداً إلى تنقية هذا الموضوع من الفكر الذي طرأ عليه، وتصفيته من الشوائب والشبهات التي ألصقت به، ليعود بالقارئ المتدبّر إلى الحال التي كانت عليها عقلية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفوسهم وذلك باختراقه ركام هذا الميراث بالعقول وبالأفئدة للعودة إلى الألق الفكري والنفسي الذي ازدان به عصر الصحابة، لأن الصحابة ركنوا إلى ذلك اليقين الراضي والمطمئن، دون أن يخوضوا إلى ذلك هذه المخاضة التي تفصلنا عنهم ذلك لأنهم وجدوا أنفسهم لحسن الحظ أمام المعين الصافي أما نحن فلا بد لكي نركن معهم إلى ذلك المعين، أن نخوض إليهم هذه المخاضة التي فصلتنا عنهم والتي هي السبيل الوحيد إليهم. لذا فقد كان عمل الدكتور البوطي في تجلية هذا الموضوع في دراسته هذه هو بمثابة ترجمة علمية ناطقة لليقين الصامت والمطمئن الذي كان الصحابة يتمتعون به حيال هذا الموضوع. هو في هذا لم يخرج عن المنهج الذي سله الإمام أبو الحسن الأشعري، في انتصاره لسواد الأمة أهل السنة والجماعة، وإعادة العقلية الإسلامية إلى الجادة المستقيمة العريضة التي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها، دون زيادة أو نقصان.
معلومات حول الكتاب:
عدد الصفحات : 238 صفحة
القياس : 17 * 24 سم
الوزن : 334 غرام
غلاف الكتاب : غلاف عادي
ترجمة : لا يوجد
دار النشر : دار الفكر المعاصر
كلمات للبحث :
الانسان مسير ام مخير- انسان- محمد سعيد رمضان البوطي - بوطي
بناءاً على 0 تقييمات
كتابة تقييم
يرجى تسجيل الدخول لنشر التقييم